مَـلاَمـحٌ مـُـزيـفــةٌ
هاهو كعادته يتصفح جريدته اليومية ويقرأ ذات الأخبار التي تململ من قرأتها
وقد بدأ الضجر يتسرب إلى نفسه ، فقرر أن يكتفي بما قرأه ،
وضع الصحيفة جانباً ، وسرح بخياله بعيداً ،
فرأى نفسه بين أناس لهم وجوهً متشابهة تحمل نفس الملامح تقريباً
ونفس النظرات الشاردة ، بل ونفس الابتسامات
الباردة ، وطبعاً نفس الأنوف الصغيرة !!
أنتفض من على أريكته فزعاً ،وكأنه يهرب من ذلك المنظر الغريب ،
وأخذ يتحسس أنفه ويتفقد ملامح وجهه !!
وبعدما أطمئن أن وجهه مازال كما هو أخذ نفساً عميقاً ونظر للمرآة قائلاً :
"اللهم كما حسنت خلقي فحسن خُلقي"
يظهر أن أخبار عمليات التجميل التي أقرأها يومياً قد أثرت بي،
وسيطرت على تفكيري،
الحمد لله أنها مجرد أحلام يقظة ,
:
:
هذا ما حصل مع بطل قصتنا الخيالي ،
أما ما يحصُل في واقعنا اليوم فهو أكثر من مجرد أحلام يقظة !!
فالكثير من نساءنا وفتياتنا هداهن الله
قد اتجهن لعمليات التجميل ، وبالذات تجميل ... عفواً بل "تشويه" الأنوف !!
والأدهى والأمر أن جميعهن تقريباً ،
قد اخترن بالصدفة نفس الأنف من كتالوج العيادة المختصة !!
وكأنهن يسعين للتحرر حتى من أنوفهن ،وربما إعتقدن أن ذلك من أسباب تحرير المرأة !!
وهن لا يدركن أنهن قد تحولن إلى نُسخ مزورة خالية من الجاذبية أو القبول ..،
:
قال تعالى :
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )التين4
إن الله سبحانه وتعالى قد وهب لكلٍ منا أنف يتلاءم مع تقاسيم وجهه ،
وإن بدا ذلك الأنف كبيراً أو عريضاً ،
فإن قامت إحدى المعترضات على خلق الله والعياذ بالله بتصغير أنفها العريض ،
فماذا ستفعل بتلك المساحات الشاسعة التي كان يحتلها الأنف القديم ؟!
وبماذا ستملئها يا ترى ؟!
ليس لها إلا طريقاً واحداً ،
آلا وهو المزيد من عمليات التجميل ... عفواً" الترقيع "!
فتبدأ بتوسيع العينين فقد تباعدا واتسعت بينهما الفجوة !
ثم الحاجبين فتزيد طولهما بعملية ليزر بسيطة ،حتى يتلاءمان مع العينان الواسعتان ،
ثم ما هــذا ؟؟؟!!!
المنطقة التي بين الأنف الجميل الصغير والشفة القديمة ،
قد اتسعت وأجدبت وبدت خاليةً من المعالم !!
إذن ما لعمل ؟!
بسيطة
عملية نفخ للشفة العليا فتتقلص تلك المسافة
ويتبعها الشفة السفلى لتكتمل الاستدارة وتصبح مثل قارب مطاطي جميل !!
والخدود الهزيلة كيف لم تنتبه لها وهي عنوان النضارة ؟!!
لابد من ملئها بالسموم لتتلاءم مع بقية التجديدات ،
وهكذا لن ينتهي مسلسل العمليات والتحسينات
حتى يصبح لدينا
مسخ بشع بأنف صغير وجميل !!
:
:
وبنظرة فاحصة لهذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا ،
نجد أن من تلجأ لتلك العمليات تحتمل أن تكون إحدى أربعة شخصيات :
ـ إما شخصية غير مقتنعة بشكلها الخارجي ، ولا بما وهبها الله من مواصفات خَلقٌية ،
وأن كانت قليلة الجمال، وهي بذلك تعترض على خلق الله عز وجل ،
وعلى حكمته في خلقه ، والعياذ بالله .
ـ أو شخصية حاسدة لا يعجبها أو يرضيها إلا ما لدى الآخرون ،
فتحاول أن تمتلك مثله ،حتى وإن كان أنف جميل !!
ـ أو شخصية خاوية من الداخل وليس لديها ثقة بنفسها ،
فتعتقد أن تغيير شكلها الخارجي سيمنحها تلك الثقة المفقودة !
ـ أو شخصية مُقلدة وقد عميت بصيرتها عن الحق ،
فهي تسعى لإن تكون نسخة أخرى عن ملامح مزورة كتلك الفنانة العالمية،
أو تلك المذيعة المشهورة ، متجاهلة الحكم في ذلك ،
وراضيةً على نفسها أن تكون ممن قال فيهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع،
حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)صحيح
أو ربما تكون كل تلك الشخصيات مُجتمعة ..،
:
وللحد من تلك الظاهرة ، ينبغي أن يتم توعية فتياتنا بعدة أمور ومنها :
ـ إن الجمال ينبع أولاً من الداخل .
ـ إن الدين والعلم هما ما يمنحان الثقة والاعتزاز بالنفس .
ـ إن لكل شخص مسحة من القبول والجاذبية أختصه الله بها عن غيره من البشر،
وسيفقدها تماماً إن حاول العبث بملامحه وتزييفها ،
ـ إن تلك العمليات التجميلية لها خطورتها وتأثيراتها الجانبية العديدة ،
التي يحذر منها الأطباء ، بل إننا قد سمعنا بالعديد من حالات الوفاة
الناتجة عن السعي خلف ذلك الجمال الزائف ،
والأهم من ذلك كله أن لا تقع في المحذور ،بعصيانها لربها
واعتراضها على قدره ،وتغييرها لخلقه ،
فيؤثر ذلك على عقيدتها ومصيرها , وقد أفتى علماءنا بتحريم
تلك العمليات التجميلية فهي مما يأمر به الشيطان لعنه الله
قال تعالى :
(وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ)النساء 119
وأستثنوا من ذلك من تعاني من تشوه أوعيب خلقي .
"همسـة لكِ أختـاه "
قبل أن تُقدمي على تلك العمليات ،
تذكري أنه سيأتي يوم وتستيقظي فيه من غفلتك ،
لتُصعقي بملامح وجهك المُزيفة ، وتقاسيمهُ الباردة ،
ولن تتمكني حينها من إعادة أجزاءه المفقودة ،
فمـا ذهب لن يعـود أبــداً !!
:
:
ملاحظة
قال تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )