عندما علِم احد الأشخاص أن أحد جيرانه ينوي الذهاب للعمرة ،
طلب منه أن يُحضر معه ماء زمزم لزوجته،
فهي تشكو منذُ مُدة من ضيِق في صَدرها ، وتعب ووهن،
وافق الرجل على طلبه ، ثم ودعه على أمل اللقاء ،
وبعد فترة من الزمن عاد الجار من مكة ، وعند دخوله لبيته تذكر فجأة طلب جاره ..!
فشعُر بالإحراج الشديد لعدم تحقيقه ذلك الطلب ،
وحتى يخرج من ذلك الإحراج ، هداه تفكيره لأن يملأ احد الجوالين
بماء من حوش بيته ..!
وبعد أن ملئُه تماماً ، ذهب به لجاره ، وأخبره أنه ماء زمزم !!
فشكره ودعا له ،
وبعد أسبوعين ...
التقى الجار بذلك الزوج ، وسأله عن حاله وحال عياله ..،
قال : الحمد لله أمورنا طيبة ،وزوجتي تحسنت كثيراً ، ولم تعُد تشعر بضيق أو وهن،
وذلك بفضل الله ، ثم ببركة ماء زمزم الذي أحضرته لها !!!
تعجب الجار !!
ولم يستطع كبت ضحكاته العالية ، وأخبر الزوج المُندهش من ردة فعله
بقصة الماء ، وأعتذر له عن نسيانه لماء زمزم،
عند ذلك أجاب الزوج وقد أبتسم ابتسامة عريضة :
إذن زوجتي تعافت بالنية !!!
(فقد توهمت تلك الزوجة الشفاء كما توهمت المرض
والقصة حقيقية مع تحفظي على ما فعله الجار)
:
الوهم هو القاتل الخفي ، الذي يسلبنا أعمارنا دون أن نشعر ،
والشخص الذي تمكن منه الوهم قد بنى جداراً عالياً حول نفسه
فلا يتمكن من الخروج منه،
ولا يُمكن الآخرين من تقديم العون له ،
فتمضي به السنين وهو حبيساً لوهمه ،
فيفقد طموحه وسعادته وإحساسه بالحياة .
:
وصور الواهمين كثيرة
فمنهم من يتوهم المرض ، فتجده دائم الشكوى ، برغم تأكيد الأطباء
لعدم أصابته بالمرض ،
إلا أنه يعُظم أتفه الإصابات ليجعلها خطرة ومميتة !!
:
ومنهم من يتوهم إن كل ما يصيبه بسبب العين والسحر!!
( مع وجود العين والسحر بكثرة إلا أن بعض الناس أصبحت هاجسه وكل حياته )
ففشله في الدراسة عين !
وطلاقه لزوجته حسد !
وخسارته في الأسهم سحر !
وربما لو سقط زراراً من قميصه أو عثرت قدمه لقال عين !!
وهكذا يجد لنفسه المبررات ويسعد لكونه الضحية دائماً ..!
:
ومنهم من يرى أنه مُستهدف من الجميع !
فالجميع يحاولون إسقاطه !
والجميع يكرهونه والجميع يسعدون بفشله !
وكأن العالم كله قد أتحد على أذاه !!
:
ومنهم وهو بنظري الأكثر ضرراً على نفسه ،
من يتوهم انه لا يملك أي قُدرة للتقدم أو النجاح ،
فهو يضع نفسه دائماً في خانة الفشل ،حتى قبل أن يبدأ،
فعزيمتُه خائرة ،
وإرادتهُ ضعيفة ،
وهمتهُ كسيرة ،
وثقتهُ بنفسه مُعدمه ،
:
وكل أولئك يجتمعون في كونهم أعضاء مُعطلين في المُجتمع ،
فهم يلهثون خلف ذلك السراب ، حتى أشغلهم عن الحقيقة ،
وقد جهلوا عما يفعلونه
بذاتهم....
فبدل أن يطوروها دمروها،
وأحلامهم...
بدل أن يحيوها قتلوها،
وعلاقاتهم...
بدل أن يستثمروها خسروها،
وأنفسهم...
بدل أن يشتروها باعوها،
ثم ماذا ؟!
لم تبقى منهم إلا أجساداً خاويةً من الروح ،
ليس لها هدفاً في الحياة ،
سوى النظر لذلك الوحش بخوف ووجل ،
مترقبةً أن يقضي عليها دون أي مقاومة !!
:
" وقفة "
لكل من غرس السراب مخالبه في صدره ،
آلا تستحق نفسك الغالية الثمينة أن تكافح من أجلها ؟!
آلا تستحق منك أن تحميها من ذلك القاتل ؟!
أم أنها رخيصةً عليك لهذا الحد ؟!
تأكد إنك أن لم تعمل على إنقاذ نفسك من سيطرت ذلك الوهم القاتل ،
فلن يحرص الآخرون على إنقاذك منه .
:
وحتى تضمن النصر في معركتك مع الوهم
لابد أن تهيئ أسلحتك وتعد عدتك :
والسلاح الأول هو: الإيمان بالله والتوكل عليه.
والثاني : أن ترضى بقضائه وقدره ،
وتعلم أنه ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاءك لم يكن ليصيبك.
الثالث : أن تسعى دائماً لتطوير نفسك ورقيها ، ولا تيأس من التغيير للأفضل.
الرابع : أن لا تترك ماضيك يقيدك عن المضي في حياتك .
الخامس : أن لا تترك فكرة معينة تسيطر عليك مهما ثبت لك وجودها .
فأمور الحياة تتغير من حال إلى حال .
وأخيراً ...
خالط الآخرين وأختر الرفقة الصالحة ، التي تكون لك لا عليك ،
فالوحدة هي السلاح الأقوى للوهم ، فأن سلبته إياه ،
قضيت على عدوك قبل أن يقضي عليك .
:
ملاحظة
قال تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
أرجو ممن ينقل أحد مواضيعي أن لاينسبه لنفسه
واسأل الله أن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصةً لوجهه الكريم