من هي أمي ؟
أمي هي التي حملتني فتعبت ( وكان حملي متعبا جدا )
ولكنها حين قدمت وصرخت صرختي الأولى
بكت .. بكت فرحا لي .
***
كانت ترقب تحركاتي بحب وشوق
كيف أحبو .. كيف أناغي
تدمع عيناها وتخاف علي من كل شيء
حين أبكي تشتكي لأبي ..
تقول له ..
لا تزعجها .. هي صغيرتي
وكأنه المذنب !
***
وحين بدأت بالمشي ..
تتبعني عيناها أين ما كنت
بخطواتي الصغيرة كنت أجوب مطبخها وهي تتناسى
هل وضعت الملح ؟ أم نسيت البهارات ؟
وبعدها ما إن أبكي جائعة ..
يأكل الجميع وتبقى هي جائعة لتطعمني
***
أنام كما يحلو لي وأستيقظ متى أريد
لأريدها معي دوما ..
نظامها وسعادتها قلبا رأسا على عقب لأجلي
تنام ساعتين في اليوم .
تعجز عن التركيز
ورغم كل ذلك تبتسم لي
***
ذهابي الأول إلى الروضة
بقيت عند الباب لأني كنت ملتصقة بها
لم تتحرك وأجلت موعدها مع الطبيب
خافت أن أستدير ولا أراها لأبدأ بالبكاء
كم هي حنونة أمي
***
أعود من الروضة
تقابلني بوجهها الملائكي
أزعجها بضجيجي ولا أدري عن يومها شيئا
أهي متعبة ؟ مريضة ؟
أظن أنها ملكي
وهي جعلتني أشعر بذلك
***
وعندما حان وقت ذهابي إلى المدرسة
تحرص على وصولي
تعد لي الفطور لأحمله في شنطتي الوردية الصغيرة
تضفر شعري وتمسح دموع خوفي
تخبرني بأني على ما يرام
أذهب وأتركها ورائي
سعيدة بأني أنجح وأكبر
***
أعود
فتستذكر لي دروسي
تسألني عن صديقاتي
تلعب معي
ولم تكن تغيب عني لحظة
ووقت نومي كانت تقرأ لي القصص
أغفو بجانبها وأنفاسها تداعب وجهي
***
كبرت ومضت الإبتدائية والمتوسطة
وأصبحت في المرحلة الثانوية
أمي لم تتغير
لا يزال حنانها دافقا
ونهر عذوبتها معطاء
أبكي لها خوفي
كرهي لمعلمة ما
واستصعابي لمادة التاريخ
تمسك معي الكتاب
وتجعل منه أقصوصة جميلة
أحببت الدراسة معها
فلها طعم آخر
***
دخلت مرحلة الخطر
وهاهي سنتي الأخيرة في الثانوية
كانت تعاملني كالألماسة
لا تسمح لأحد بأذيتي
حرصت على إستيعابي لكل معلومة
وحين كنت أسهر كانت تسهر
وحين أنام كانت تجلس بجانبي خوفا علي من الكوابيس
كل ليلة تأتي بالعشاء إلي في غرفتي
لم تدعني لحظة واحدة
حتى شعرت بأنها تدخل قاعة الإختبارات معي
وعندما نجحت بكت
غردت ولم تسعها الدنيا فرحا
وكأنه نجاحها هي
كانت ترى الحياة في عيني
في نجاحي
فهي من تخلت عن دراستها لقدومي
***
مرحلة التسجيل في الجامعة
مرت بسلام رغم كل شيء
تمتص غضبي وقلقي
ذهبت معي إلى كل مكان
لم تتركني أذهب بمفردي
وحين غادرت إلى الرياض لأحاول هناك
سافرت معي
رغم أني أعلم أنها تكره فكرة ابتعادي عن المنزل
كنت أسمعها تردد
أنها لن تقوى على إرسالي بعيدا
***
وأنا أيضا لم أطق عنها بعدا
تعودت حنانها ودفئها
ووجودها فكيف بي أعيش من غيرها
لذلك سجدت لله شكرا لقبولي في جامعتي
لأكون قريبة منها وفي بيتي
***
قبل بدء الجامعة حرصت على شراء جديد الملابس من أجلي
أرادت لسنتي الأولى أن تكون مميزة
أكاد أقسم بأني غيرت خزينة ملابسي كليا
***
وفي يومي الأول
استيقظت وصنعت لي الفطور بيديها
رغم أن عندها اجتماعا في جدة
ألغته لأجلي
وجلست بجانبي على عتبة المنزل
وهناك بكيت على كتفها خوفي من هذا المستقبل البعيد
وقتها طمأنتني وكانت هناك لتربت على كتفي
وشعرت بالدفء ثانية في داخلي
لوجودها
***
وها أنا اليوم ذاهبة إلى سنتي الثالثة
مليئة بالحماس الذي استقيته منها
بالراحة التي هي مصدرها
ها أنا على وشك بدء سنة جديدة
وحياة جديدة مع الرجل الذي تزوجت
بعيدا عنها ..
أصبح فيها أنا مصدر الدفء والحنان
مصدرا للعطاء
وأتمنى أن أكون مثلك أمي
معطاءة .. رائعة .. كريمة بلا حدود
شكرا لك أيتها الحبيبة
إخوتي موضوعي اليوم أشكر فيه أمي
فلكل من أحبت أن تنقش بين أسطري كلمة شكر لأمها
لا تتأخر
دعونا نشكر طيبة اللبن ..
شقيقة الفؤاد والروح
من أهدتنا من حياتها الكثير